بين العقل والروح في التصوف العظيم

ولقد كرمنا بني آدم00
بسم الله الرحمن الرحيم0
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين0وبعد00
لعل نعمة العقل هي اكبر نعمة انعمها الله تعالى على بني آدم0لأن العقل الانساني هو الميزة التي يفترق بها الانسان عن الحيوان والجمادات 00
ان الايات الكريمة التي خاطبت العقل الانساني لا تعد ولا تحصى و0ان عبارات ( اولوا الالباب 00لعلكم تعقلون 0لقوم يعقلون 00لقوم يعلمون 0لأولي الابصار 0العلماء 00الذين يعلمون )كثيرة ومكررة في ثنايا كتاب الله تعالى 00
ولعل العقل الانساني والروح الانساني يكمل بعضهما البعض، فمعرفة الله تعالى بداية هي عقلية برهانية استدلالية ثم وجدانية قلبية روحية 0وان تطبيق الدين الاسلامي بأركانه الثلاث اسلام وايمان واحسان 00باقامة الفرائض والنوافل والاذكار وتطبيق شرع تعالى في كل نواحي الحياة، يجعل من الانسان خليفة لله تعالى في ارضه 0لاعمارها وفق ما انزل الله تعالى 00
ويخطىء من يظن ان العقل الانساني هو عاجز امام معرفة الله تعالى وامام الخشوع وامام معرفة اسماء الله تعالى و صفاته وتوحيده بالعبادة 00اننا بحاجة الى اناس مسلمين اجسامهم تحرث الارض وتعمرها وتقيم الصلاة وسائر العبادات وبنفس الوقت ان تكون قلوبهم وعقولهم تؤمن بالغيب وتؤمن بالله الواحد القهار وقلوبهم تستشعر وجود الله تعالى وتخبت من خشية الله تعالى وتهيم بحب الله تعالى 0وتعيش وحدانية الله تعالى في ذاته وصفاته وافعاله0، ومن دون ان تخلط بين الامور، وتتوهم ان الخالق هو المخلوق ، أو أن المخلوق هو ابن الخالق او جزءا منه او متفرعا عنه ، بأي صورة من الصور ، فالله تعالى لم يلد ولم ويولد ولم يكن له كفوا احد00
وان ادعاء احد العلماءالسابقين ان العقل معقول لا يدرك من امرالتوحيد الا افتقار الصنعة الى صانعها واما اسرار التوحيد وغوامضه فهو خارج عن دائرته وهذا سبب حجاب اهل علم الكلام ) ان هذا الادعاء غير دقيق ويفتقر الى الدليل والبرهان ، لان العقل يدرك بالاضافة الى افتقار الصنعة الى صانعها ، يدرك الكثير من صفات الله تعالى ومن اسماءه الحسنى فيدرك انه الحكيم والعليم والقهار والمقتدر والبديع وسواها كما ان الايمان بالغيب هو من صفات المؤمنين التي امتدحها القرءان الكريم00 واما اذا كان المقصود باسرار التوحيد وغوامضه هو (موضوع خلق الانسان من القبضة النورانية وان الانسان هو فرع من اصل ، وان الملك هو ابن الملكوت والجبروت وان الانسان فيه جانب لاهوتي ساكن بهيكل ناسوتي )00فأقول صراحة انه هذه التقسيمان والنظريات والاجتهادات هي ليست من غوامض التوحيد ولا تتضمن سر الربوبية وانما هي من تلبيسات الشيطان الرجيم او من آثار نظرية التثليث اللاهوتية النصرانية ولا تمت الى عقيدة المسلمين بأية صلة , وكل من يدعي غير ذالك أو يدعي الغيرة على بعض العلماء الذين اخترعوا هذه الاجتهادات الخاطئة ، فهو مطالب بتقديم الدليل الصحيح من كتاب الله تعالى او من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم 0
يا احبتي ويا أيها المتصوفة المسلمين الاكارم ، ان عقيدة التوحيد الاسلامية واضحة وجلية ، وليس فيها مطلمسات ولا اسرار ولا علم باطني ولا لاهوت او ناسوت ، وهي مختصرة في سورة الاخلاص قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد0000
ان الاسلام يدعو للعمل والجد والمثابرة بالحياة الدنيا، وتصحيح النية بكل شيء نقوم به ، حتى يكون كل ذالك زادا للاخرة 00
ولسنا بحاجة لاناس يهيمون بالبراري او يلبسون المرقعات او يجاورون المزابل أو يأنسون بالكلاب او يعتزلون المجتمع والناس ، لتحصيل الزهد او الفناء بالله تعالى 00واذا وجد مثل هذه القصص والروايات سابقا في ثنايا بعض كتب القوم المتصوفة رضي الله عنهم 0فان هذه الاشياء قد تجاوزها الزمن 00ولم يعد بحاجة لها المتصوفة الان لتحقيق نتائج باهرة بالمعرفة ولتحصيل مقام الاحسان00
ان الروحانيات والتأمل قد يتحصل بطرق عديدة بما فيها البوذية والسيخية والمجوسية والمريمنورية والرهبنة النصرانية وسائر الفلسفات الشرقية والغربية الحديثة منها والقديمة ، لكن ما يميز الروحانيات الاسلايمة عنها هو تمسك المتصوفة المسلمين بالشريعة الاسلامية السمحة المتمثلة بالقرءان الكريم والسنة الشريفة 0
ومن العجب العجاب ان البعض يدعوا الى تعطيل العقل الانساني أو الى تجاوزه والتفرغ لتصفية الروح حتى ترجع الى (اصلها الجبروتي اللاهوتي الازلي القديم ، كي تتجلى وتنكشف له اسرار الذات وسر اللاهوت واسرار الجبروت- حسب زعمه ووهمه -- ونسي صاحبنا ان بين ايدينا كتابا عظيما هو القرءان الكريم، وهو وحي من الله تعالى ،ومعصوم عن الخطأ ،ومحفوظ بحفط الله تعالى 0بينما نجد ان الكشوفات والالهامات للبعض قد تأتيها او يخربها تلبيسات الشيطان الرجيم ،لذالك كان ديدن كبار شيوخ المتصوفة هو التصريح علانية على ضرورة عرض الالهامات والكشوفات على الكتاب الكريم والسنة المطهرة 0
يا مسلمون ويا متصوفة ويا أكارم ان فكرة( ان الجبروت الازلي القديم الاصلي قد تولد عنه الفرع الذي هو روح الانسان والمخلوقات جميعها )00الى غير ذالك من الاوهام والتخريفات هي من الامور التي ما انزل الله بها من سلطان ، وان الوحي الوحيد الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هو القرءان الكريم ، وهو مع السنة المطهرة يعتبران بحق المرجع الوحيد المقبول لكل ما سواهما ، ممن يزعم انه الهام او كشوفات او حكم او امثال او اشعار ، بغض النظر لمن تنسب او في أي كتاب وجدت00
وعلى علماء المسلمين وشيوخ التصوف الافاضل في هذا العصر اعادة النظر جذريا بكل هذه الاساطير والاوهام، التي قد نسبت للبعض أو قيلت في حالة جذب ،او انتحلت وادخلت في كتبهم ، ويرددها البعض الأن بدون تمحيص او دراية بحقيقة مضمونها الخطير جدا بالعقيدة 00
ان القول أن( الملك والملكوت كذاك الجبروت وكلها نعوت والذات مسمى ) ليس صحيحا وليس سديد المعنى، والاولى ان يقال : ان الملك والملكوت هما من مخلوقات الله تعالى .واذا كان الجبروت يشير الى عظمة الله تعالى ،فان الانسان يقف خاشعا ذليلا امام عظمة الله تعالى 0وان الله تعالى هو ذو الملك والملكوت وهو ذو العزة والجبروت 00لكن الملك والملكوت ليسا هما الله ابدا، والمخلوقات ليست عين الهل ابدا لابالصفات ولا بالافعال ولابالذات ، وهي ليست ندا له ولا مثيلا له ولا جزءا منه ،بأي وجه من الوجوه 00
ان القرءان الكريم ليس هو مجرد رسوم او علم ظاهر او علم نقل جامد، بل هو كلام الله تعالى ووحيه الخالد ورسالة الله تعالى الى بني البشر وهو اكبر وسيلة تقرب المؤمن الى الله تعالى وترشد الانسان الى الله تعالى 00
ولقد انزل القرءان الكريم عربيا لعلنا نعقل ونتدبر ونتفهم 00وليس له ظاهر وباطن ابدا ،بل فيه آيات محكمات هن ام الكتاب وفيهن كل ما يلزم المؤمن من امور دينه ودنياه ، واخرى متشابهات لا يعلم تأويلها الا الله تعالى 0ولا يخوض فيها الا الذين في قلوبهم زيغ والعياذ بالله تعالى00
ومن العجيب ان بعض الناس تتجهم وجوههم وتنقبض قلوبهم اذا ذكر الله وحده أو اذا ذكرت ايات الله امامهم وحدها ، بينما تنشرح صدورهم وترقص اجسامهم طربا اذا ذكرت أمامهم(بعض الاشعار او الحكم التي تتحدث عن الهامات وكشوفات العارفين وخصوصا عن عبارات تتحدث عن اسرار الصفات واسرار الذات وسر اللاهوت وسر الربوبية والفناء بالله والوصول اليه والغياب عن الوجود وما شابه ذالك ) وما ذالك الا دليلا على جهل مبين لديهم بالكتاب الكريم والسنة المطهرة 00
والله اعلم 00
والحمد لله رب العالمين